يوم الأربعاء وقف جاسر أمام المرآة ينظر اليها ويمشط شعرة ويلقى نظرته الأخيرة على ملامح خط الزمان ونقش عليها ذكريات لم يشاهدها من قبل وكانت ترسم ملامح أرتسمت بقسوة على وجه طوال خمسة عشر عاماً من الغربه فى بلاد العم سام ؛ نقوش لم تخفيها دوائر الدخان من سيجارة محبوسة بين أصبعين تقترب تارة من وجهه وتبتعد تارات؛ وقف يحك شاربه الملبد ولحيته التى طالت وتموجت بين أبيض شيب وأسود لم يعهدة منذ زمن مضى وفات وقلب كوفيته بين إطالة وتقديم وتقصير وأمسك بها متناسياً برد الشتاء وخال له أنه سمع صوتاً يعرفة جيداً وقد أرتسم على حاجبية ملامح حزن لم تفصح عن نفسها من قبل عندما دق صوتها معاول الذكريات لتكسر حاجز السكون ويبدأ فى إستحضارأخر مكالمة تليفون معها وسيل من الطبات.
وجاء الصوت قوياً مبتدأ الكلام جاسر والله كنت مستنياك أنت أتأخرت لية عاوزة أفكرك ماتنساش عجله باسم وبدلة الكارتية وماتنسى عروسة بسمة وكمان الفستان؛ وماتنسى شال خالتك أم بهية علشان تدعيلك ولاتنسى تجيب لامؤأخذة بلغة للحاج عمران ولاتنسى تجيب له سجادة وسبحة وعصاية بأيد عجمى وماتنسى أمى علشان خاطرى أنت شفت هى تعبت معاى أزاى وشافت الغلب من ولادك وماتنسى الكريم الى قلتلى علية يبيض الواحدة ويرجعها كدة شباب؛ والمرهم علشان وجع العظم وطلبات ماتنتهيش متموجة بين سرعة لسرد الطلبات ومتجاهلة أى مقاطعة للكلام وأخيراً أنتهت بعبارة هو أنت جاى أمتى ؟ ورد جاسم فى طيارة يوم الأربعاء الساعة أتناشر بالليل خلى خالى مسعود يستنانى فى المطار؛ وسلامى ليك وللأولاد ؛
وافاق على لسع بواقى السيجارة لإصبعة فإنتفض ونفضها بعيداً ونظر الى شنط الهدايا المكومة فى أرضية الغرفة وركلها بقدمه ومزق تذاكر السفر وأخذ معة ميدالية مفاتيح فقط وأغلق خلفة الباب ....