دخل بيت الحمَّام الشرقيَّةِ عند الفجر...
.................................................. ... خلع أدباشه كلَّها تقريبا كي يقضيَ حاجته... قضاها...لم ينس -كعادته دائما- أن يغسل يديْه بالماء البارد جيِّدا, مسحهما بمنشفة زرقاء معلَّقة بعناية شديدة على الحائط الأماميِّ...فتح الشبَّاك برفق يتحسس الرِّيَّاح… ويُذهِبَ "تلك الرَّائحة"...لفحته نسائم شديدة البرودة أغلقه بحذر... ارتدى ثيابه دون ترتيب خاصٍّ...
.................................................. .... تقدَّم نحو المرآة المكسورة الجانبين تملَّى وجهه طويلا, عاين خدَّيه المنتفخيْن, معَسَهما بأصابع يديْه... أخذ المِشط الذي وجده أمامه مشَّط شعره بعناية ثمَّ اتَّجه نحو الباب أطفا ضوء الحمَّام و عاد متثاقلا إلى فراشه .
كم هي السَّاعة الآن ؟
…
.................. منعته الظُّلمة الخافتةُ رؤيةَ عقاربِ السَّاعة الزَّرقاء الصَّغيرةِ الملقاةِ على ظهرها قرب سريره الأرضيِّ ذي المكان الواحد, لم يردْ إزعاج أخيه الأكبر منه : لم يشعل الضَّّوء, دخل فراشه الضيِّق ونام...
…
عند السَّاعة السَّابعة تقريبا أفاق, خمَّن أنَّ الوقت ما يزال مبكِّرا, عاد فنام نوْما متقطِّعا مضطربا مدَّة خمس دقائق أخرى... استفاق وبه شيء من الِانزعاج... تفقَّدَ تفقُّدَ المشمئِّزِ ثيابَه الملقاة في كلِّ جانب من جوانب الغرفة الضيِّقة التي تزدحم بأثاث لا يرى له أيَّ قيمة أو فائدة ...
.................................................. ........................لبس أدباشا فوق أدباشه... بحث عن سرواله الأزرق الجديد...عن أدواته الموزَّعة وسط ركامٍ من الأثاث و المتاع المنتشر هنا وهناك... رصَّها في محفظة جلديةٍ سوداء وجدها أمامه...ثمَّ ترك المحفظة قرب أحذيته الملقاة فوق الدَّرجات... نسي أن يطوي فراشه أوْ أن يوقظ أخاه...
…
.................................. نزل الدَّرجات الثَّمانية عشرة ثم دخل الحمَّام... توضَّأ سريعا بالماء البارد... أعاد ذلك مرَّةً أُخرى... ثمَّ مسح المبْلول منْ أطرافه واستعدَّ لها ...صلّاها متعجِّلا في إحدى الغُرف...حين فرغ منها, سار متمْتِما صوْب الدَّرجات المؤدِّية إلى غرفته حيث اصطفَّت الأحذية في غيْر ترتيبٍ, أخرج جوْربيْه الأزرقيْن من الحذاء قلبهما وارتداهما في عجل... انتعل حذاءه و اتجَّه ثانية نحو الحمام...
........ تأمَّل وجهه في المرْآة المكسورة سرَّح شعره بعناية فائقة ثمَّ خرج مغلِقا الباب وراء ه...
....…
.......…
........... اِستفاقتْ أمُّه منْ نومها كعادتها باكرة في وقتها...
................................ أشارَ إليها...
.................................................. ................................
.................................................. .أشارَتْ إليه...
مدَّ يده اليسرى إلى معطفه... اِرتداه بصعوبة فوق ثيابه ثم فتح أبواب المنزل المقفلة بالمتاريس... نزل الدَّرجات الأولى... تذكَّر أنَّه لم ينظِّف أسنانه...جيِّدا !!! ألقى متاعه عند الباب الأوَّل... عاد أدراجه متلمِّسا المفاتيح في جيوب معطفه... فتحه... اتَّجه نحو الحمَّام... وجده مشغولا!!!
ألقى نظرة سريعة إلى السَّاعة المعلَّقة على الحائط ...تجاوزت السَّاعة الثَّامنة صباحا...حمل أدواته الملقاة مسرعا ونزل الدَّرجات العشرين المؤدِّية للباب الرَّئيسيِّ ركضا...
...................................ركب درَّاجته و غادر مسرعا ناسيا إغلاق الباب.
…
…
الطَّريق على غيْر عادتها مفتوحةٌ سهلة...اختفت الحافلات التِّي تكتظُّ بالنَّاس اللَّذين يقصدون أعمالهم كلَّ صباح ...تغيَّرت أشكال السَّيارات...تحرَّرت محرِّكاتها من المكبِّلات التِّي كانت تمنعُها طيَّ الأرض طيًّا ومع غياب الدرَّاجات الناريَّة... اختفى أيضا شرطيُّ المرور...
…
.................................................. ...................اختفت كلُّ الوجوه الكالحة... القلقة ! أصبح كلُّ شيءٍ تقريبا يوحي بالهدوء التَّام !!! الدَّرَّاجة تسير وحدها تقريبا, و أنا أقودها دون عناء يُذكَر...
مرَّت دقائق قبْل أن أتذكَّر أنَّه يوم عطلة...
...................................... عادَ أدراجه متثاقلا...دفع بابَ المنزل, ركَن الدرَّاجة و ألْقىَ المحفظة, صَعَد الدَّرجات ودخل...أومأ لمنْ استفاق !!! قصد بيت الحمَّام, وجده مشغولا…انتظر قليلا ثمَّ صعد نحو غرفته, نزع حذاءه, ألقى جسده فوق سريره الأرضيِّ ذي المكان الواحد...
.............................…
................................…
استسلمت لأحلامي المزعجة...