ميثم الاسدي شبح النت المدير العام
عدد المساهمات : 2598 تاريخ التسجيل : 20/07/2013
| موضوع: فاكهة الكلام الأربعاء أغسطس 07, 2013 11:24 pm | |
| لولا ما رافقها من شعر نحا بها منحى آخر, فحفرها في ذاكرة التاريخ بعد أن أضفى عليها متعة وحيوية ألقت بظلالها الوارفة على أبطالها ومتلقيها,وستظلّ تلقي بظلالها مهما امتدّ الزمان. فإذا كان الحديث مائدة عامرة بصنوف الطعام والشراب,فلا شكّ أنّ الشعر سيّد هذا الحديث وفاكهته المميّزة. وإنّ المتذوّق للشعر إذا ما تسلل إلى جوفه شيء ممتع منه,فإنّه يشعر بامتلاء روحيّ قد يصل فيه إلى حدّ الإشباع, فيعاف الطعام والشراب,ويكتفي بنشوة الشعر ليملأ به فضاء الروح غير آبه بخلاء الجسد.وهذا ما حصل مع أحدهم فعلاً فما كاد يفرغ معلله من أبيات عروة بن أذينة التي يقول فيها: إنَّ التي زَعَمَتْ فُؤَادَكَ مَلـّها خُلِقت هواكَ كما خُلقتَ هوىً لها فِيكَ الذي زعمتْ بِها وكلاكُما يُبْدِي لصاحِبه الصَّبابَة َ كُلَّها وإِذا وَجَدْتَ لها وَساوِسَ سَلْوَةٍ شَفَعَ الضميرُ إلى الفؤادِ فَسَلَّها بَيْضاءُ باكَرها النعيمُ فَصاغَها بلباقَــة ٍ فأَدَقـّهــا وأَجَلـَّهـــا لمَّا عَرَضْتُ مُسَلِّماً لِيَ حاجَة ٌ أرجو معونتها وأخشى ذلـّها حجبت تحيَّتها فقلتُ لصاحبي ما كان أكثرها لنا وأقلـّها فدنـا فقـال: لعلّها معذورة ٌ من أَجْلِ رِقْبَتِها فَقُلْتُ: لَعَلَّها نعم ما كاد يفرغ من الإنشاد حتى أصابته نشوة جعلته يقول:والله لن يخالط تلك الأبيات طعام سائر هذا اليوم. ولا نبالغ إذا قلنا:إنّ الشعر كان يدخل في كلّ مفاصل حياتهم جدّها وهزلها يستقون منه حكمتهم ويخلدون به مآثرهم ويعبرون به عن وجدانهم,يتداولونه إذا انبسطت أساريرهم,ويفزعون إليه إذا شمروا عن سواعد الجدّ,فهذا الحارث بن عباد يبكي ابنه ويحمّس بالشعر على قتال تغلب؛لأنّ الزير قتله بشسع نعل كليب لاحقناً للدماء: ولعمـري لأبكـيـنّ بجـيـراً ماأتى الما مـن رؤوس الجبالِ قتلـوه بشسـع نـعـل كلـيـب إن قتل الكريـم بالشسع غـال قرّبـا مربـط النعامة مـنـي لا نبيـع الرجـال بيـع النعـالِ قرّباهـا لحـي تغلـب شوسـاً لاعتنـاق الكمـاة يـوم القتـال ومَن يتسنَّ له أن يخوض في بحر تراثنا الأدبي يجد أنّ حياة العرب تزخر بفواكه شعرية متنوعة تحلق بالنفس في عالم الحكمة والمتعة والفائدة والجمال ومنها: فتنـــــة قاض أما الشعبيّ فقد تخاصم لديه زوجان فحكم للمرأة فمرت بالمتوكل الليثي فقال: فُـتن الشعبيّ لمــا رفع الطرف إليها فتنتـه ببنـــــــــــان حين مدّت معصميها فتنتــــــــه بدلال و بخطّي حاجبيها فقضى جوراً على الخصـــــــــــم و لم يقض عليها كيف لو أبصر منها نحرها أو ساعديها لصبــا حتـّـى تراه ساجداً بين يديها فتناقل الناس الأبيات حتى حملوا الشعبي على الاستعفاء من القضاء. لكلّ امرئ ما يصيده يـُروى أنّ المهديّ خرج إلى الصيد,وخرج معه عليّ بن سليمان,فعرض لهما ظبي,فرماه هو والمهديّ بسهمين,فأمّا المهديّ فأصابه,وأمّا عليّ فأصاب كلباً أرسل إليه,فقال أبو دلامة متندراً: قد رمى المهديّ ظبياً شكّ بالسهم فؤاده وعليّ بن سليمــــــا ن رمى كلباً فصاده فهنيئاً لهما كــــ .........لّ امرئ يأكل زاده الحمامة وفخر الدين الرازيّ ذكر ابن خلكان أنّ أشرف الدين بن عنين حضر درس فخر الدين الرازيّ بخوارزم,فسقطت بالقرب منه حمامة,وقد طردها بعض الجوارح,ولم تقدر على الطيران,فلما قام من الدرس وقف عليها ورقّ لها,فأنشده ابن عنين بديهاً: مَن نبّأ الورقاء أنّ محلـّكم حرم وأنّك ملجأ للخائف وفدت عليك وقد تدانى حتفها فحبوتها ببقائها المستانف لو أنّها تـُحبى بمـال لانثنت من راحتيك بنائل متضاعف سأترك حبّهـــا اعتزم أحد الأمراء أن يتقدّم لخطبة فتاة,فوجد أنّ خطابها كثر,فأبى أن يكون له شركاء في حبّها,فقفل عائداً,وكان الشعر فاكهة هذه الحادثة: سأترك حبّها من غير بغض وذاك لكثرة الشركاء فيه ويرتجع الكريم خميص بطن ولا يرضى مساهمة السفيه وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كان الكلاب ولغن فيه إذا وقع الذباب على طعــام رفعت يدي ونفسي تشتهيه بديع الزمان والصاحب بن عبّاد أراد البديع أن يلتحق بخدمة الصاحب بن عبّاد,وكان البديع على حداثة سنّه يجيد الفارسية وينظم الشعر بالعربية,فسأله الصاحب أن يترجم له شعراً ثلاثة أبيات فارسيّة من نظم الشاعر منطقى.فسأله البديع:أيّ قافية تريد؟فعيّن له الصاحب قافية الطاء,فسأله عن البحر,فأجابه أسرع في السريع يا بديع,فقال: سرقت من طرّته شعرة حين غدا يمشطها بالمشاط ثمّ تدلـّحت بها مثقلاً تدلـّح النمل بحبّ الحناط قال أبي مَن ولدي منكما كلاكما يدخل سَمّ الخياط قتيـــل الحبّ قال الأصمعيّ:فيما كنت أسير في بادية الحجاز إذ مررت بحجر مكتوب عليه: أيا معشر العشّاق بالله خبّروا إذا حلّ عشق بالفتى كيف يصنع قال فكتبت تحته: يداري هواه ثم يكتم سرّه / ويخشع في كلّ الأمور ويخضع قال الأصمعي:فعدت في اليوم التالي فوجدت مكتوباً: وكيف يداري والهوى قاتل الفتى / وفي كلّ يوم قلبه يتطلـع قال فكتبت: إذا لم يجد صبراً لكتمان سرّه / فليس له شيء سوى الموت ينفع قال الأصمعي:وعدت في اليوم التالي,فوجدت شابّاً ملقى تحت ذلك الحجر,وقد فارق الحياة,وترك رقعة فيها: سمعنا وأطعنا ثمّ متنا فبلـّغوا سلامي / إلى كلّ مَن للوصل يمنع هنيئاً لأرباب النعيم نعيمهم / وللعاشق المسكين ما يتجرّع وختاماً: على الرغم من أنّ كثيراً من الناس في هذا العصر قد صنّفوا الشعر في مضمار الفنون والتسالي والترويح عن النفس,وجنّبوه الخوض في المواقف الجادّة سيظلّ الشعر على امتداد العصور فاكهة متجدّدة لكلّ صنوف الكلام لا يُستطاب الحديث إلا به.
مما راق لي
| |
|