عَاوَدَتْهُ الرغبَةٌ مَحْمُومَةٌ...
حاول جاهدا ان يخطها على الأوْراقِ المُبعْثرةِ...رَسَمَها على جُدرانِ المدينَة المُتهَالِكة,
لكنها انزلقت...التصَقَتْ بطَرَف معطَفِك الرَّماديِّ اللَّون, اسْتَقرَّتْ فوْقَ ادْباشِكَ القديمةَ التي لم تشْتَرِ غيْرَها لِباسًا منْذ زمَنٍ...
شَرَعَ يبْحَثُ لَه عَنْ ماءٍ دافِيءٍ يغسِل به بدنََه... يُطَهِّر ُبه بقايا أدباشِه من أثَر ِالبيْضِ...
سمع اصواتا غريبة " لنْ تَجِد غيْر الطِّين عجينَةً سَوْداءَ تمسح بها جلْدكَ"...عندَها انتَشَرَتْ الرََّوائِحُ البغيضةُ...روائحُ خانقةٌ ليْسَتْ غريبةً عنه … يشمُّها... لا يتنفسُّ غيرها غبارا... يتلبَّس بك و لا يتخلى... إلاَّ أنْ تُغادِرَ مكانكَ الجديد...
استلْقى في مكان آخرَ فاحتْ رائِحةُ العُجولِ منه...كان في الماضي –ربَّما – مِربَضا لها
أوْ لِغيْرِها...
تتصاعد روائحُ الأدْوية الحمراءِ و الخضراءِ فتزْكُمُ أنفَكَ المائلَ وأنْفيِ...نَشْعُرُ بصُعُوباتٍ في التنفُّس حادةٍ... المَكانُ هوَ المكانُ...يبْعَث الأَحْياءُ من قُبورِهِم...
تُوقِظُكَ الرَّوائح الكريهةُ و توقِظُهُم رائحةُ الكَفَنِ...تَنْسَى مكانكَ الأوًّل و نَنْسى مِرْبَضَنا القديمَ... سكنْتَ في ما مضى على تُخوُمِ إحْدى الَمزا بِل الأثريَّة حيْث المرض والعُقْم و الِانْحِلال
تتعايشُ في جسَدٍ واحد...حاولْتَ أنْ تُحافِظَ ....-كما فعلوا قديما-على ُجُولة ٍعَرْجاءَ...حاولْتُ...حاولوا... يحاوِلونَ... كُنْتَ تَنْحَني تحْت سقفِ الجُدران الجِيريَّةِ...كيْ نتخلَص ممََا يَتآكَلُ في بُطونِنا...
و حين نقِفُ ترْتطِمُ رُؤُوسُنا تلْكَ الثَّقيلةُ المُسْتطيلَةُ بهذا السَّقفِ الأبيضِ الباردِ...
لا تبرأُ من جرحٍ حتى تُباغَت بجُروح أخْرى تُدميكَ ساعة أوْ ساعتيْن...تُمزِّقُ شيئا من بقاياك أَرْبِطُهُ لك دُونما إحكام كيْ أُوقِفَ الدِّماء الفارَّة من جرحك الجديد...
وحين تخْرُجُ من عزلتِكَ مُخْتارا تبحثُ عنها...بحثْتَ عنها...وجدتُها في انتظاركَ...مِرْآةٌُ صغيرةُ...لم تعْرفْ فيها وجهكَ الأبيضَ أو عيْنيكَ الواسعتيْن...اختفى وجهُهُ وراء أقْنعةِ الزَّمنِ...
لعلَّك صُعِقْتَ حين لم نَجِدْ نظارة وجهِكَ القديمةَ.
ابتسامتُكَ الصغيرةُ جفَّ بريقُها...صار شعرُكَ جُونًا و أضْحى خلْجانا بائنةً...حبَّاتُ عينيك غارَتْ وصِرْت لا ترى إلَّا بعد جهْدٍ من المُداومةِ و التَّثبُّت...